Friday 12 August 2011

توضيح حول قضية المبادئ فوق الدستورية


مع إشتداد الجدل حول هذه قضية ما يسمى بوثيقة المبادئ الفوق دستورية،  و تهديد الإخوان المسلمون بمليونيات "غير هادئة" و تهديد الجماعات السلفية بتنظيم مظاهرات مشتعلة في انحاء مصر، و مع عدم رؤيتنا حتى الآن للمواد المقترحة، فأصبح من الواضح ان القضية قد تتحول الى أزمة حقيقية في الفترة القادمة، أزمة تستطيع ان تحدث معركة مؤذية حول مستقبل مصر و توجهها.



مظاهرة القوى الدينية تنديدا بالمواد فوق الدستورية



و هناك عدة قضايا تثار حول هذه الوثيقة:

١- الفحوى: بينما يوجد الآن مشاريع عديدة لمثل هذه الوثيقة (مثل مشروع المجلس الوطنيو أغبها موجودة في المدونة - راجع الفهرس)، و يتعلق أغلبها بضمان بحقوق الإنسان (مثل حريات الرأي و العقيدة و التعبير، و الحق في التعليم و الرعاية الصحية) و مدنية الدولة من حيث الاساس،  يتجه المجلس العسكري و الوزاري فيما يبدو لإصدار وثيقة (أو/مع إعلان دستوري جديد) قد يضيف الى ذلك تحديد بعض الآليات المتعلقة بكيفية صنع الدستور الجديد من قِبَل مجلس الشعب القادم. كما أيضا هنا جدا حول إمكانية قيام الجيش بإعطاء نفسه دور حمائي للدولة و مدنيتها على غرار الجيش التركي. و أتذكر جيدا تصريح الإخوان المسلمين منذ فترة ان لا إعتراض لديهم على وجود وثيقة ترسخ  مبادئ حقوق الإنسان، و لا أدري اذا كان انقلابهم على الوثيقة هو اعتراض على الاضافات الجديدة ام اعتراض حتى على مبدأ تحديد اي جزء من أجزاء الدستور بعيدا عن المجلس القادم، بما في ذلك حقوق الانسان.

٢- اسباب الوثيقة: منطقيا، كان لابد من دستور جديد قبل الانتخابات، و خاصة في مرحلة التوافق الوطني التي تلت الثورة. لا يمكن ان ننتخب مجلسا او رئيسا جديدا سيقبعون سنوات على رأس الحياة السياسية في مصر دون العمل على دستور نظيف و جديد و دائم أولا لكي يحكمهم، حتى ولو كان استمرارا لدستور ١٩٧١ بتعديلات. من يعرفني يعرف انني شخص محايد و أحاول ان اقول الواقع بعيدا عن انحيازاتي الشخصية، و هذا و الواقع كما أراه. و لم يكن الاستفتاء على الدستور أولا أو الانتخابات أولا، و في كلا الحالتين تم ترك الاستفتاء جزئيا و القيام بإعلان دستوري جديد يتمضن المواد الموافق عليها بدلا من الأخذ التام بنتيجة الاستفتاء، و هي استمرار دستور ١٩٧١ بالمواد المعدلة. و مع تخوف العديد من القوى السياسية من صعود القوى السياسية الدينية و الخوف من محاولة بعضها تشريع قوانين إقصائية تلتف حول الحقوق العالمية للإنسان تحت مسمى ديني، و مع حتى تخوف بعض التيارات الدينية (و ان كانت اقل عددا بكثير بالطبع) من تأثير أي تهديد من التيار لطبيعة الدولة المصرية على الاقل في صورتها الحالية، نشئت فكرة إقرار مبادئ "فوق دستورية" تمنع أي تيار سياسي واحد من التأثير الجذري على الحياة السياسية و العامة و الاستفراد بوضع الدستور القادم في مصر بدون توافق عام.

٣- ما معنى "فوق دستورية"؟: أي انها مواد في الدستور يكون تعديلها أصعب من تعديل أي مواد أخرى في الدستور، بل يكون احيانا من المستحيل تعديلها. و المصطلح الموازي بالإنجليرية هو Entrenched Clause

٤- هل يوجد شيء مثل ذلك في العالم؟: نعم، يوجد، و ان كان اغلبها يمثل مواد "من الصعب جدا تعديلها" و ليس من "المستحيل" بالضرورة. فمثلا، دستور الولايات المتحدة من الصعب جدا تعديل المادة الخامسة به، و الذي يتعلق بالتمثيل المتساوي للولايات في مجلس الشيوخ أي كان حجمها أو عدد سكانها، إلا اذا وافقت كل الولايات على ذلك. و دول أخرى بها مثل هذه المواد، سواء واحدة أو أكثر، مثل فرنسا و ماليزيا و ألمانيا و هندوراس و غيرهم. و أقرب حالة للدور المفترض من هذه الوثيقة في مصر هي حالة البوسنة و الهرسك، حيث يمنع الدستور إقرار أي قوانين تتعارض مع المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان، و لا يمكن تعديل المادة الثانية بأكملها من الدستور التي تتعلق بهذه الحقوق و شرحها. و بالطبع، فإحدى اسباب هذه المادة هي التجربة المريرة للحرب العرقية البوسنية بين ١٩٩٢-١٩٩٥. و في عام ٢٠٠٩ في هندوراس، حاول الرئيس السابق مانويل زيلايا (تنطق "سيلايا") تعديل المادة فوق الدستورية المتعلقة بنظام الحكم، و تحديد أراضي الوطن، و فترة حكم رئيس الجمهورية و عدد الفترات المسموح به، و أدى ذلك الى تدخل المحكمة الدستورية العليا و طلبها من الجيش الانقلاب على الرئيس. و بعد فترة من الجدل، تم نفيه الى جمهورية الدومينيكان مع استمرار المادة كما هي.

٥- ما هي مشكلة هذه المواد؟: المشكلة أن القانون لا يُنظر الى معناه الفردي فقط، بل الى كل ما يمكن ان يعني. فإذا كان الهدف هو "قوانين فوق دستورية" لمنع قيام دولة ذات قوانين عنصرية أو إقصائية، فماذا يمنع من المحاولة لاحقا في إقرار مبادئ فوق دستورية ترسخ مبادئ إقصائية أو عنصرية، إذا كان المبدئ مسموحا به؟ و مع ذلك، فلا وجه للمقارنة، فالفارق هو اننا هنا نتحدث عن مبادئ عالمية تساوي الموطنين كلها ببعض، و لا تسمح للدولة بالتدخل في حرية المواطن و حقوقه إلا في إطار القانون (هذا لو كنا نتحدث فقط عن مبادئ حقوق الانسان و مدنية الدولة، و ليس عن دور الجيش في الدولة أو غيرها من الإضافات المحتملة). و يرجح بعض المحللون غضب القوى السياسية الدينية من هذه الفكرة نظرا لإمكانية تضمنها دورا مستمرا للجيش أو تقييدا لقدراتها على تشريع قوانين ذات طابع ديني واضح. و يقول بعض القيادات السياسية الدينية ان إعتراضهم ليس على المواد، و لكن على اسلوب تحضيرها و إقرارها، و الذي وصفوه بأنه نخبوي و إقصائي و تجاهل مشاركة الإسلاميين، و انه يؤثر سلبا على حق الأجيال القادمة في تقرير مصيرها بصورة كاملة، على حد وصفهم. و تتضارب الاقاويل في هذه النقطة.

٦- ما المخرج؟: أولا، و بالطبع، توافق القوى السياسية بصورة واضحة و الشعب على تقبل هذه المبادئ من عدمها. ثانيا، لا أفضل مبدأ "إستحالة التعديل." من الممكن جعل عدة مواد "شديدة الصعوبة في التعديل." فبدلا من إحتياجها الى ثلثي أو ثلاثة أرباع أعضاء المجلس لطرحها للتعديل قبل الإستفتاء عليها، فمن الممكن أن ترتفع هذه النسبة الى ٨٠٪ أو ٩٠٪، و ان يكون الاستفتاء يشترط فيه للأخذ بنتيجته نسبة إشتراك و موافقة عاليتين. طبعا، ما أقوله هو إعطاء أمثلة عامة و ليس إقتراحات لسياسات عامة ممكنة التنفيذ، و أنا لست خبيرا دستوريا. و علي أي حال، فأي مواد محتملة فوق دستورية ستكون من ضمن دستور يستفتى عليه من قبل الشعب. و هناك إقتراح آخر لوثيقة حقوق إنسان مصرية يتم إعتمادها من الآن، سواء كبديل أو كعامل مقوي أو رقابي على هذه المبادئ فوق الدستورية إذا تم إقراها، أيا كانت.

---------------
ملحوظةاذا كانت هذه زيارتك الاولى الى المدونة، فارجو ان تتكرم بالقاء نظرة على القائمة التي على اليمين و التي      تحتوي على اهم مقالات المدونة و على فهرس المدونة في الصفحة الرئيسية.

اذا اعجبتك المقالة، فسأستفيد جدا اذا ضغطت على TWEET أو  LIKE. و تابعني على تويتر Twitter اذا امكن بالضغط على FOLLOW بالاسفل. و ارحب بتعليقاتكم و سأرد عليها. بالإمكان ايضا متابعة المدونة بالضغط على Follow بالأعلى. بإمكانك وضع رابط بمنتهى السهولة لهذه التدوينة على الفيسبوك الخاص بكم عن طريق ضغط زر LIKE الازرق.

No comments:

Post a Comment